المقدمة: جمع مؤلف هذا الكتاب (عبد الله بن عبد الحكم) جزءًا مما جمعه الله للخليفة الراشد (عمر بن عبد العزيز) من الأخلاق الفاضلة، والسياسة الحكيمة، ووصف فيه بعض ما اتصف به ذلك الإمام العادل من قوة في الحق على الباطل، وشدة في الله على الأشرار وأهل الأهوال، وتحدث عن تربيته في المدينة، وعن تمسكه بكتاب الله وسنة رسوله، وما كان فيه من الحلم واللين، وحماية حقوق الرعية.
نهى (عمر بن الخطاب) في خلافته عن خلط اللبن بالماء، فخرج ذات ليلة في حواشي (المدينة)، فإذا بامرأة تقول لابنة لها: "ألا تخلطين لبنك فقد أصبحت؟" فقالت الجارية: "كيف أخلط وقد نهى أمير المؤمنين عن الخلط؟" قالت قد خلط الناس؛ فاخلطي، فما يدري أمير المؤمنين؟" فقالت: "إذا كان عمر لا يعلم فرب عمر يعلم، ما كنت لأفعله وقد نهى عنه". فوقعت مقالتها من (عمر)، فلما أصبح دعا ولده (عاصم)، فقال: "يا بني، اذهب إلى موضع كذا كذا، فاسأل عن الجارية ووصفها له". فذهب (عاصم) فإذا هي جارية من بني هلال، فقال له (عمر): "اذهب يا بني فتزوجها، فما أحراها أن تأتي بفارس يسود العرب"؛ فتزوجها (عاصم بن عمر)، فولدت له (أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب)، فتزوجها (عبد العزيز بن مروان) فأتت بـِِِِِِِ (عمر بن عبد العزيز).
استيقظ (الفاروق عمر) ذات ليلة من نومه، فمسح النوم عن عينه، وهو يقول: "مَن هذا الذي من ولد (عمر) يسمى (عمر) يسير بسيرة (عمر)؟ ورددها مرات. وولد (عمر بن عبد العزيز) بـِِِِِِِ (المدينة)، وكان يذهب إلى (عبد الله بن عمر) كثيرًا، ثم يرجع إلى أمه، فيقول: "يا أمي أنا أحب أن أكون مثل خالي"، فتؤفف به ثم تقول له: "اغرب، أنت تكون مثل خالك؟". فلما كبر تولى أبوه (عبد العزيز) ولاية (مصر)؛ فكتب إلى زوجته (أم عاصم) أن تقدم عليه وتقدم بولدها، فأتت عمها (عبد الله بن عمر) تخبره بكتاب (عبد العزيز) إليها، فقال لها: "يا ابنة أخي هو زوجك فالحقي به". فلما أرادت الخروج، قال لها: "اتركي ولدك هذا، فإنه أشبهكم بنا أهل البيت"؛ فتركته عنده ولم تخالفه، فلما سألها زوجها عن ولده، فأخبرته خبر (عبد الله)، فَسُرَ بذلك (عبد العزيز)، وكتب إلى أخيه (عبد الملك) يخبره بذلك، فكتب (عبد الملك) أن يجري عليه ألف دينار في كل شهر.
قدم (عمر) لزيارة أبيه بعد ذلك، فأقام عنده ما شاء الله، وركب حمارًا يومًا فسقط عنه فَشُجَّ رأسه، فبلغ ذلك (الأصبغ بن عبد العزيز) وكان غلامًا، فضحك لسقوطه، فغضب (عبد العزيز) من (الأصبغ)، وقال له: "يسقط أخوك فَيُشَجُّ فتضحك سرورًا بما أصابه؟"، قال: "لم يضحكني شماتة به، ولا سرورًا بسقوطه، ولكني كنت أرى العلامات من أَشَجُّ (بني أمية) مجتمعة فيه إلا الشجة، فلما سقط وشج سرني ذلك تكامل العلامات فيه؛ فأضحكني، وهو والله أشج (بني أمية)"، فسكت عنه (عبد العزيز)، وقال: "ما ينبغي أن يكون تأديبه إلا بـِِِِِِِ (المدينة)" فبعثه إلى (المدينة) مرة أخرى.
كان (عمر) أكثر (بني أمية) ترفًا وتملكًا، لا يُعرف إلا وهو تعصف ريحه، فتوجد ريحه في المكان الذي يمر فيه، وكان يمشي مشية تسمى العمرية، فكان الجواري يتعلمنها من حسنها وتبختره فيها. وكانت تربية (عمر) عند أخواله بـِِِِِِِ (المدينة)، ولما كَبُرَ تولى إمارة المدينة. أرسل (عمر) في ولايته على (المدينة) رسولًا إلى (سعيد بن المسيب) يسأله عن مسألة، وكان (سعيد بن المسيب) لا يأتي أميرًا ولا خليفة، فأخطأ رسول (عمر)، وقال لـ (سعيد): "الأمير يدعوك"؛ فأخذ (سعيد بن المسيب) نعليه وقام إليه، فلما رآه (عمر)، قال له: " عزمت عليك يا (أبا محمد) إلا رجعت إلى مجلسك حتى يسألك رسولنا عن حاجتنا، فإنا لم نرسله ليدعوك، ولكنه أخطأ، إنما أرسلناه ليسألك". وكان (عمر بن عبد العزيز) إذ كان واليًا على (المدينة)، إذا بات على ظهر مسجد رسول الله –صلى الله عليه وسلم – لم تقربه امرأة إعظامًا لمسجد رسول الله –صلى الله عليه وسلم –.
لما قدم (أنس بن مالك) –خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم –من (العراق) إلى (المدينة)، وكان (عمر) أميرها فصلي (أنس) خلفه، فقال ما صليت خلف إمام بعد رسول الله –صلى الله عليه وسلم –أشبه صلاة بصلاة رسول الله –صلى الله عليه وسلم -من إمامكم هذا، وكان (عمر بن عبد العزيز) يتم الركوع والسجود ويخفف القعود والقيام. وخرج (سليمان بن عبد الملك) ومعه (عمر بن عبد العزيز) إلى الحج، فأصابهم مطر شديد ورعد وبرق، فقال (سليمان): "هل رأيت مثل هذا يا (أبا حفص)؟"، يا أمير المؤمنين هذا في حين رحمته، فكيف به في حين غضبه؟ وخرج (عمر) ذات ليلة على مركب له يسير وحده وتبعه (مزاحم) فتقدم (عمر) وتأخر (مزاحم) فنظر (مزاحم) فإذا هو برجل يساير (عمر)، قال (مزاحم): "فقلت في نفسي، من هذا؟ إن هذا لذو دالة عليه؛ فتحركت للحاق به، فأدركته فإذا هو وحده لا أرى معه أحدًا غيره، فقلت له: "رأيت معك رجلًا آنفًا، قد وضع يده على عاتقك وهو يسايرك، فقلت في نفسي، مَن هذا؟ إن هذا ذو دالة عليه؛ فلحقتكما فلم أر أحدًا غيرك. فقال (عمر): "أو قد رأيته يا (مزاحم)؟" قال (مزاحم): "نعم". قال (عمر): "إني لأحسبك رجلًا صالحًا، ذلك يا (مزاحم) (الخضر) أعلمني أني سَأَلِي هذا الأمر وأُعان عليه. ولما خرج (عمر بن عبد العزيز) من (المدينة) التفت إليها وبكى، وقال يا (مزاحم): "نخشى أن نكون ممن نفت المدينة".
اكمل قراءة الملخص كاملاً علي التطبيق الان
ثقف نفسك بخطة قراءة من ملخصات كتب المعرفة المهمة
هذه الخطة لتثقيف نفسك و بناء معرفتك أُعدت بعناية حسب اهتماماتك في مجالات المعرفة المختلفة و تتطور مع تطور مستواك, بعد ذلك ستخوض اختبارات فيما قرأت لتحديد مستواك الثقافي الحالي و التأكد من تقدم مستواك المعرفي مع الوقت
حمل التطبيق الان، و زد ثقتك في نفسك، و امتلك معرفة حقيقية تكسبك قدرة علي النقاش و الحوار بقراءة اكثر من ٤٣٠ ملخص لاهم الكتب العربية الان